المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية

الأمن والعدالة والعلوم والتكنولوجيا والقانون والسياسة مترابطين بطبيعتهم، وكذلك الحال بالنسبة للأنشطة الفضائية حيث غالباً ما يكون هنالك تطبيقات مدنية وعسكرية متداخلة، والخيارات التي يتم إجراؤها بشأن استخدامات الفضاء الخارجي تؤثر بشكل مباشر على الأمن والسلم الدوليين. وتستمر أدوات الدول المستعملة في تنفيذ وظائف الحكومات وسير المجتمع في التطور مع الوقت والديموغرافيا والابتكارات التكنولوجية. فالأمن والسلام هو الخطوة الأساسية الأولى لتأمين مجتمعات مستدامة وصحية تنعم بالازدهار والرفاهية.

لقرون، سعى القادة العسكريون إلى مواقع عالية الارتفاع مثل الجبال والتلال، للحصول على معلومات مرئية حول موقع وحركة الأعداء. ويُنظر إلى الحرب العالمية الأولى على إنها نقطة تحول في التاريخ أدت إلى الشعبية الواسعة للعديد من التقنيات المتقدمة، حيث اكتسب على وجه الخصوص الاستشعار عن بُعد مكانة بارزة بسبب استخدام طائرات ومناطيد عالية الارتفاع للاستطلاع الجوي. هذه الصور الجوية تم استخدامها لتحديد مواقع خنادق العدو والمواقع الخفية، وتحركات القوات، وطرق الإمدادات والمستودعات، وللتحقق من فعالية الهجمات ضد العدو. يعتبر تطوير الأقمار الصناعية من أكبر الإنجازات التكنولوجية في المجال العسكري. فقد شهدت الحرب الباردة ومرحلة ما بعد الحرب الباردة توسعاً كبيراً في نشر الأقمار الصناعية من أجل السلام والأمن الدوليين. ونظراً للتقدم فائق السرعة لمنصات تطبيقات الاستشعار عن بُعد، أدى إلى تحسن المستشعرات نفسها بشكل كبير، حيث أظهرت الدقة المكانية لصور الأقمار الصناعية تحسناً جذرياً إلى أقل من نصف متر في السنوات الأخيرة مقارنةً بدقة أكثر من خمسين متر في بداية مشوار هذه التقنيات. وهذه البيانات الفضائية المتعددة المكان والزمان مع البيانات المحلية والعالمية المستحوذة من الأرض يمكن تطبيقها في السلام والأمن الدوليين في مناطق النزاعات.

فالبيانات الفضائية يتم استخدامها في تحديد التضاريس، والأنهار، والتلال، والمناطق المأهولة، والمنشآت الإستراتيجية، وشبكات الاتصالات، وغيرها الكثير. ونوعية المعلومات المتوفرة من الاستشعار عن بُعد من أجل السلام والأمن يعتمد على منصة وخصائص الاستشعار المحددة، ففي الآونة الأخيرة ومع توفر البيانات المكانية والزمانية عالية الدقة، تم استخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد في الكشف عن الاتجار بالبشر وزراعة وتهريب المخدرات في عدة مناطق. إضافةً إلى التطبيقات في الأغراض العسكرية، حيث تم استخدام الاستشعار عن بُعد الجوي والأقمار الصناعية بشكل كبير من أجل السلام الدولي من خلال دورها في منع النزاعات على الموارد، ومكافحة الأمراض والوقاية منها، وحماية حقوق الإنسان، وتتبع الانتهاكات البشرية والدولية، وساعدت الفرق الإنسانية في مهامها، ودعم حالات الطوارئ المعقدة، وفي عمليات إغاثة اللاجئين، ورصد النزاعات المسلحة، وتقديم أدلة في المحاكم المحلية والدولية، وتقييم انتهاك حقوق الإنسان.

توفر الأقمار الصناعية الخاصة برصد الأرض وتقنيات الاتصالات وسائل دقيقة وموثوقة للمراقبة عن بُعد لمناطق النزاعات والتحقق منها. فمراقبة هذه المناطق الخطرة صعب باستخدام المعلومات الأرضية، والاستشعار عن بُعد يساهم في دعم واستكمال أنشطة السلام والأمن الدوليين بسبب قدرتها على تقديم رؤية موضوعية شاملة وواسعة النطاق في الوقت الحقيقي على مستوى الأرض. فيساهم ذلك في مراقبة هذه المناطق النائية والخطيرة دون اتصال جسدي مما يسمح باستخدامه أيضاً في التحقق من تطبيق القوانين والمعاهدات والقرارات الدولية، فعلى سبيل المثال رصد مصادر التلوث النفطي، واستكشاف موارد الطاقة المتجددة. وأدى التطور التكنولوجي والارتفاع في استخدام أجهزة الاستشعار في زيادة شركات الاستشعار عن بُعد، مما ساهم في استخدام البيانات الفضائية من أجل السلامة الاجتماعية والبيئية العالمية والتطور العلمي.

المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية

هناك فوائد عدة للاستشعار عن بُعد لتطبيقات السلام والأمن من منظور كلي ومن منظور جزئي. فعلى المستوى الكلي، أظهر تطبيق تقنيات نظام المعلومات الجغرافية في تحديد دور السوابق التاريخية في النزاعات الإقليمية نتائج فعالة، فعلى سبيل المثال في السياق الأوروبي، ساعد تطبيق نظم المعلومات الجغرافية في إيجاد العلاقة بين الحدود التاريخية والنزاعات. ومن المنظور الجزئي تم دراسة قضايا مثل الهجرة التي أدت إلى حالات عنف في إحدى المدن الواقعة في إحدى جمهوريات وسط أفريقيا. الاستشعار عن بُعد يمكن أن يساعد أيضاً في فهم القضايا الناشئة عن تصنيفات الدولة مثل التجزئة العرقية، وهذا في المقابل يساعد في تعزيز أطر النظرية الاجتماعية والثقافية للتخصصات الإنسانية الأخرى. فتساهم البيانات والصور الفضائية والاستشعار عن بُعد، إضافةً إلى الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في مهام السلام والأمن على الأرض. فالاستثمار في الحصول على التكنولوجيا ودعمها من أجل بناء السلام الفعال أمر حيوي الآن أكثر من أي وقت مضى.

ولكن هناك تحديات يمكن أن يعوق بعضها القدرات التطبيقية للاستشعار عن بُعد في السلام والأمن في المستقبل، حيث إن الأنواع المختلفة من أجهزة الاستشعار يمكن أن تشكل اختلافات في تصنيفات الصور مما يؤثر على القضايا ونتائج التحقيق فيها من حيث التكلفة والدقة وصعوبة معرفة الحقيقة على الأرض في مناطق النزاعات خصوصاً.

الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء تُسخر الصور والبيانات الفضائية والاستشعار عن بُعد لتعزيز الأمن والسلامة في المنطقة من خلال دراسات عديدة مثل رصد العوامل التي تؤثر على صحة الإنسان وسلامته من خلال دراسة جودة الهواء، ودراسة رصد غازات الاحتباس الحراري والكربون وأكاسيده وأكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين في الهواء. إضافة إلى مشروع رصد مخالفات البناء، ورصد الصيد غير القانوني وطرق التهريب. يتجلى التزام الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء بالسلام والأمن والازدهار في المنطقة من خلال انضمامها إلى منظمات الفضاء الدولية ومن ذلك نيل العضوية في مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) واللجنة المنبثقة عنه (COPUOS) والتي تعنى بالاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، كما حازت على عضوية الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية (IAF)، ووقعت عدد من المعاهدات الدولية في مجال الفضاء مثل معاهدة الفضاء الخارجي، ومعاهدة اتفاقية المسؤولية، واتفاقية التسجيل لأغراض حفظ السلام والأمن.

مع تطور التقنيات وتوفر الموارد الثانوية بشكل أكبر، أصبح دور الاستشعار عن بُعد أداة تشغيلية حيوية للدول من خلال دعم تنوع واسع في إجراءات السياسة العامة لعمليات حفظ السلام والأمن والعدالة.

إعداد: مهندسة الفضاء ريم سنان

الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء