المصدر : وكالة الفضاء الأمريكية ناسا

ابدأ بقوله سبحانه تعالى:” أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء – 30). جميع مخلوقات الله تحتاج الماء لتبقى على قيد الحياة، فلولا الماء تفنى الحياة على وجه الأرض، فالماء من المقومات الاساسية للحياة ويدخل في جميع العمليات الحيوية في اجسام الكائنات الحية. ففي عصرنا هذا نشهد توفر المياه وسهولة الحصول عليه، والفضل يعود للآلات والتقنيات التي طورها الانسان عبر العصور، والتي حسنت من جودة المياه ويسرت عمليات نقله على وجه الأرض. فماذا عن رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية؟

المصدر : وكالة الفضاء الأمريكية – فقاعة ماء في الفضاء

تسبح محطة الفضاء الدولية على ارتفاع حوالي 400 كيلومتر عن سطح الأرض، فبعد المحطة عن الأرض شكل تحديا كبيرا لعملية نقل الماء لكونه مركب عالي الكثافة، اذ تعد عملية نقل الماء من العمليات ذات التكلفة العالية وتبلغ تكلفة نقل الجالون الواحد الى محطة الفضاء أكثر من 83000$، ويقدر استهلاك رواد الفضاء في المحطة حوالي 3 جالونات يوميا. فهذا التحدي ألهم العلماء لإيجاد بدائل لخلق بيئة مستدامة في محطة الفضاء الدولية، ففي العام 2006 ابتكرت وكالة ناسا للفضاء نظاماً لإعادة تدوير وتنقية الماء المستخدم في محطة الفضاء وعلى هذا الأساس تم تطوير آلة تسمى (Environmental Control and Life Support System).

وفي العام 2008 تم تشغيل نظام تدوير وتنقية الماء لخلق بيئة مستدامة على متن المحطة من خلال انتاج هواء و ماء نقيين وقابلين للاستخدام، فهذه الآلة وباستخدام مواد كيميائية تحاكي دورة الماء في الطبيعة خلال ثلاث خطوات رئيسية، أولاً يتم تجميع مياه الصرف الصحي ثم يتم تصفيتها من أي ملوثات، في المرحلة الثانية يتم تمرير الماء المصفى في عدد من المصفيات الأخرى للتخلص من جميع الشوائب العضوية والغير عضوية، وأخيراً يتمر تمرير الماء المنتج من المرحلة الثانية عبر Catalytic Oxidation Reactor للتخلص من الباكتيريا و الفايروسات. فهذه العملية تنتج مياه بنقاوة عالية في بعض الأحيان تفوق جودة الماء المستخدم على سطح الأرض، ويتم استخدامها من قبل رواد الفضاء للشرب والاستحمام.

المصدر : وكالة الفضاء الأمريكية ناسا – نموذج مصغر لECSS

وجود نظام تدوير وتنقية الماء لم يغني عن عملية نقل الماء إلى المحطة الفضائية بسبب فقدان نسب ضئيلة من الماء في كل دورة، اذ تقدر كفاءة نظام تدوير وتنقية الماء الحالي ب 90%، مما يتطلب تغذية النظام بكميات من الماء بشكل دوري. وبسبب محدودية توفر الماء في المحطة فعلى رواد الفضاء الاقتصاد في استهلاك الماء بتغيير طرق استهلاكهم للماء، فكمثال لا يتم استخدام الصنابير لغسل الأيدي والاستحمام كما في الأرض، بل يتم استخدام المناديل الرطبة مما يقلل استهلاكهم من 50 لتر إلى أقل من 4 لتر من الماء.

الى جانب تنقية المياه فالآلة تعمل على تنقية الهواء في المحطة الفضائية وتزويدها بالأكسجين من خلال عملية التحليل الكهربائي وذلك باستخدام الكهرباء الناتجة من الألواح الشمسية، فيتم فصل الماء الى اكسجين وهيدروجين كهربائياً. فالأكسجين الناتج يتم اطلاقه في البيئة الداخلية للمحطة، أما الهيدروجين الناتج من التحليل الكهربائي يتم جمعه مع ثاني أكسيد الكربون لإنتاج الماء والميثين. فنظام تنقية الهواء يعمل أيضاً على التخلص من الميثين والغازات الضارة الذي ينتجها الجسم كالأمونيا والأسيتون والغازات الأخرى الناتجة من الاختبارات العلمية.

المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية – كيف يتم إعادة تدوير المياه في محطة الفضاء الدولية

اكتشاف الانسان للفضاء وإطلاق محطة الفضاء الدولية جاء بالعديد من التحديات التي ساهمت في التطور العلمي وطرح العديد من الاختراعات التي ساهمت من الارتقاء بجودة الحياة في المحطة الفضائية وتقليل تكلفة تشغيلها. فطموحات العلماء لم تتوقف هنا، بل في استمرار لتحسين جودة حياة رواد الفضاء وذلك بخلق بيئة مستدامة تقوم بإعادة تدوير الماء والهواء المستخدمين في محطة الفضاء الدولية بنسبة 100%.

فهذه الجهود في قطاع الفضاء لا تقتصر فقط على جودة الحياة في محطة الفضاء الدولية، بل لها انعكاسات ايجابية عديدة على الحياة في كوكب الأرض وباتت مستخدمة كحلول تقنية متقدمة دون ان يعلم العامة انها ما كانت لتوجد لولا سبر الانسان للفضاء.

بقلم / مهندس الفضاء علي عدنان محمد آل محمود